داروين نونيز- من الجوع في أرتيجاس إلى قمة كرة القدم

«في أغلب الأحيان كنت أخلد إلى النوم وجوف معدتي يئن من الجوع»، بهذه الكلمات المؤثرة استرجع النجم الأوروجوياني المتألق، داروين نونيز، قبل انضمامه المرتقب إلى صفوف فريق الهلال الأول لكرة القدم، ذكريات طفولته المفعمة بالصعاب في قرية أرتيجاس المتواضعة الواقعة على الحدود البرازيلية.
في تلك البقعة القصية، حيث يكابد الأهالي مرارة الفقر وضنك العيش، عاش نونيز سنوات طفولة يصفها بكل أسى بـ«الجحيم بعينه».
لم تكن أسرة نونيز بمنأى عن هذه المعاناة، فالأب، بيبيانو، كان يمتهن عامل بناء، منهمكًا في العمل المضني لساعات طويلة، أما الأم، سيلفيا، فكانت تجوب الشوارع بظهر منحن، لجمع العلب الفارغة، متمنية أن تجني من بيعها ما يكفي لإطعام ولديها، جونيور وداروين.
كان الحصول على وجبة طعام يومية بمثابة التحدي الشاق، وغالبًا ما كان الشقيقان ينتظران في كوخهما المتواضع البسيط دون أدنى يقين بأن الطعام سيأتيهم أم لا.
لكن القدر كان يخبئ لداروين تحولًا جذريًا. ففي أحد الأيام، قطع خوسيه بيردومو، النجم الأوروجوياني السابق وكشاف المواهب بنادي بينارول، مسافة تقدر بـ 600 كيلومتر قاصدًا أرتيجاس سعيًا لاكتشاف كنوز كروية. وهناك، وقعت عيناه على جوهرتين: داروين وشقيقه جونيور. فما كان منه إلا أن أقنع العائلة بالسماح لهما بالسفر إلى العاصمة مونتيفيديو، حيث انطلقت رحلة التغيير والتبديل.
في سن الرابعة عشرة، ودّع داروين أسرته في محطة الحافلات وانطلق بمفرده نحو مركز تدريب بينارول. إلا أن الشوق والحنين إلى قريته غلبه في البداية، فعاد أدراجه إليها.
وبعد مرور عام، عاود الكرة، مدفوعًا بوجود شقيقه جونيور بجانبه. وسرعان ما بزغ نجم نونيز الصغير، فأصبح يسجل الأهداف ببراعة فائقة ويُلقب بـ«كافاني الجديد». ولكن التحديات لم تنته عند هذا الحد: فقد لاحقته إصابتان خطيرتان في الركبة بالإضافة إلى مرض والدته الذي أثقل كاهله. وفي لحظة مفصلية، اتخذ جونيور قرارًا بطوليًا، وعاد إلى أرتيجاس ليكون سندًا للعائلة، قائلًا لداروين: «أنت الأفضل، فلتواصل اللعب».
وبهذا الدعم والتشجيع، سطع نجم داروين في سماء كرة القدم. ففي سن السابعة عشرة، أصبح المهاجم الأساسي لفريق بينارول، مما جعله محط أنظار الأندية الأوروبية الكبرى. ثم اختاره نادي ألميريا الإسباني، حيث تمكن من تسجيل 16 هدفًا في 32 مباراة. وأثار تألقه إعجاب جورجي جيسوس، مدرب بنفيكا آنذاك، الذي أصر على التعاقد معه مقابل 25 مليون يورو، في صفقة تاريخية قياسية للنادي البرتغالي. وعندما وطأت قدما نونيز أرض ملعب دا لوز للمرة الأولى، لم يتمالك نفسه وانهمرت دموعه، مسترجعًا أيام الفقر والجوع في الكوخ المتواضع.
لم تكن مسيرته في بنفيكا مفروشة بالورود، فالإصابات والشكوك حول قيمته كانت تلاحقه باستمرار، ولكنه أظهر صلابةً منقطعة النظير، وتعافى من جراحة في الركبة بسرعة مذهلة. وقد صرح جيسوس قائلًا: «داروين يمتلك مقومات ومواهب نادرة، ومن الصعب جدًا إيقافه».
وفي عام 2022، وقّع عقدًا مع ليفربول مقابل 75 مليون يورو، وتمكن من تسجيل 33 هدفًا وتقديم 17 تمريرة حاسمة في غضون موسمين.
وها هو الآن، في الرياض، يستعد نونيز لمواجهة مدربه الأول جيسوس، الذي يتولى قيادة فريق النصر، وقدوته الأسطورة كريستيانو رونالدو بكل حماس.